المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة  | اتصل بنا

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة

الدلالات العلمية فى أسماء بعض السور القرآنية - أ.د. يحيى وزيرى

الأربعاء, 27 تشرين2/نوفمبر 2019 12:28

اختلف علماء المسلمين حول أسماء سور القرآن الكريم، فالبعض منهم يرى أنها توقيفية من عند الله سبحانه وتعالى، كما أورد الامام السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" بأنه قد ثبت أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار(1)، والبعض الآخر يرى أنها توفيقية بمعنى أنها من اختيار الصحابة والتابعين، أى اختيار بشرى ويستدلون على رأيهم هذا بأن بعض السور لها أكثر من اسم(2)، فسورة النحل تسمى أيضا بسورة النعم، وسورة الاسراء تسمى أيضا بسورة بنى اسرائيل.
ودون الدخول فى عملية ترجيح أحد الرأيين على الآخر فهذا خارج عن نطاق مقالنا هذا، فان الشيئ المتفق عليه بين المسلمين أن أسماء السور الواردة فى المصحف العثمانى قد جاءت بناء على اجماع الصحابة الكرام، وبناء على اختيارهم وهو ما أجمعت عليه الأمة الاسلامية.
ومايهمنا في هذا الصدد أنه بالرغم من أن القرآن الكريم هو كتاب هداية للمتقين، مصداقا لقوله تعالى: "ألمۤ * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" (البقرة:1، 2)، فإننا ربما نندهش لو تأملنا أسماء بعض سور القرآن الكريم، حيث أن القراءة الأولية لأسماء العديد من سور القرآن الكريم تشير إلى العديد من المعارف والعلوم الطبيعية الكونية وكذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية.
لقد لفت نظري ماورد في إحدى الدراسات السابقة بعنوان "القرآن والتاريخ"، والتي طرحت رؤية تتسم بالشمولية لتصنيف أسماء سور القرآن الكريم وماتشير اليه من علوم مختلفة، وهو مايمكن إيجازه في المحاور التالية(3 ):

• عالم الغيب وارتباطه بعالم الشهادة.
• الكون والأرض.
• الحياة النباتية والحيوانية.
• الحياة الانسانية.
• العقيدة والعبادات والمعاملات.
• الجهاد والشئون الدولية.
• الآخرة والجزاء.
وخلصت تلك الدراسة الى أن أسماء سور القرآن الكريم فيها شمول يتلاءم مع نظرة القرآن الكلية لأمر الوجود، والانسان والكون ومناشط الحياة الانسانية التى يتحدث فيها القرآن الكريم عما دق من الخلق كالنمل وعما عظم كالسماء ذات البروج ومواقع النجوم.
وبناء على دراسة ورؤية تحليلية قام بها كاتب المقال على أسماء سور القرآن الكريم، فقد خلصت من القراءة الأولية لأسماء العديد من السور، الى ارتباط بعض منها واشارتها الى مايعرف اليوم بالعلوم الكونية الطبيعية، وأن بعضا منها يرتبط ويشير الى مايعرف اليوم بالعلوم الانسانية والاجتماعية، وهو مايمكن أن يتضح ممايلى(4 ):
أ- أسماء السور المرتبطة بالعلوم الكونية:
*وجود مجموعة من أسماء السور تشير إلى عالم الحيوان مثل: البقرة، الأنعام، العاديات ،الخيول، الفيل.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بعالم الحيوان، كقوله تعالى: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ" (الغاشية:17).
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى عالم الحشرات والمفصليات مثل سور: النحل والنمل والعنكبوت.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بعالم الحشرات، كقوله تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ" (النحل: 68).
* مجموعة من أسماء السور تشير إلى مواقع المدن وبعض المفردات المعمارية، مثل سور: الحجر وسبأ والأحقاف والبلد والكهف والحجرات والمائدة (الأثاث الداخلي) والحديد والنور.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير تفكير المسلمين في شتى جوانب العمران والبنيان، كقوله تعالى: " وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً" (الكهف: 17).
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى عالم النجوم والكواكب والأبراج، مثل سور: المعارج والبروج والطارق (نجم الطارق) والشمس والنجم والقمر.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بهذه الكواكب والنجوم والأهلة، كقوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" (البقرة: من الآية 189)، ونلحظ فيها أيضا ربط بعض العبادات كالحج ببعض الظواهر الفلكية كمولد الأهلة.
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى المواقيت والزمن، مثل سور: الفجر والليل والضحى والعصر والفلق والجمعة.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية التي فيها قسم بتلك الأزمنة والمواقيت، كقوله تعالى: "وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر" (العصر: 1، 2)، أو قوله تعالى: " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى" (الليل:1، 2).
* سورتان تشيران إلى معالم الأرض ومعادنها، وهما سورتي: الطور (الجبل) والحديد، ثم تثير بعض الآيات الكريمة انتباه المسلمين إلى أهمية المعادن كما في قوله تعالى: "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد: من الآية 25).
* اسم سورة واحدة تشير إلى أصل خلق الإنسان، وهى سورة العلق.
* اسم سورة واحدة تشير إلى الزروع والثمار، وهى سورة التين.
* اسمي سورتين تشيران إلى الظواهر الجوية والمناخية، وهما سورتى الرعد والذاريات.

ب- أسماء السور المرتبطة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية:
* ثلاث سور باسم "النساء" و"الانسان" و"الناس"، فى اشارة جلية الى الكائن المكرم واهتمام القرآن الكريم بالإشارة إليه.
* سورتان تشيران إلى الأعراق والأجناس البشرية، وهما سورتي قريش (رمز للجنس العربي) والروم (رمز للأعاجم غير العرب).
* مجموعة سور تشير إلى أسماء الأنبياء والصالحين وقصصهم مع أقوامهم، وهو ما يمكن أن يدخل تحت مسمى علم السير والتراجم الشخصية، مثل سور: آل عمران ويونس وهود ويوسف وإبراهيم ومريم والأنبياء ولقمان ومحمد ونوح والقصص.
* سورة واحدة باسم "الشعراء".
* سورة واحدة باسم "القلم" أداة التعلم الأساسية.
مما سبق يتضح لنا جليا وجود العديد من الدلالات العلمية لبعض أسماء سور القرآن الكريم (تتعدى الخمسين سورة)، سوآء أكان ذلك في مجال العلوم الكونية أوالعلوم الإنسانية والاجتماعية، وكأن كل مجموعة من تلك الأسماء تشير إلى علم بذاته، والى وجود العديد من الآيات القرآنية التي تشير إلى هذا العلم، ومايتصل بها من خلق الله تعالى في هذا الكون الرحيب.
إن التأمل والنظر في الدلالات العلمية لبعض أسماء السور، يكشف لنا عن منهج القرآن الكريم، من خلال اهتمامه بكل العلوم النافعة، ومن جانب آخر يستنهض همم المسلمين وعقولهم، من أجل التفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفى خلق الانسان وأحواله الاجتماعية والنفسية أيضا.
كما تفتح بابا واسعا لاستكشاف ما احتوت عليه آيات الآفاق والأنفس فى القرآن الكريم، من أجل التفكر فى السنن والقوانين الكونية التى تشير اليها، لتحقيق تقدم وسعادة البشرية جمعاء، وابراز الجانب الحضارى والعلمى فى ذلك الكتاب القيم.

أ.د. يحيى حسن وزيرى
أستاذ العمارة الاسلامية
عضو الهيئة العالمية للكتاب والسنة

________________________________________
(1) الحافظ جلال الدين السيوطي (1996). الإتقان في علوم القرآن. دار مصر للطباعة، القاهرة، ص72.
(2) المرجع نفسه، ص72 وما بعدها.
(3) عبد العزيز كامل (1982). القرآن والتاريخ. مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني عشر،عدد (4)، وزارة الإعلام، الكويت، ص11- 60.
(4) يحيى وزيري (2015). فقه آيات الآفاق والأنفس. الهيئة العالمية للاعجاز العلمى فى القرآن والسنة، السعوية.