بقلم : د. مصطفى الشيمى: مدير عام المجلس الإسلامى العالمى للدعوة والإغاثة
الوسطية معيار أساسى من معايير وعوامل تحقيق الاستقرار السياسى، بوصفها بيئة ضامنة لمفهوم الأمن وداعمة لتحقيق التنمية
تمثل الوسطية منهجا ومرجعية حضارية ترتبط بخاصية التوازن، لتكوّن بذلك عقيدة ونظاما أخلاقيا وسياسيا متكاملا، فالوسطية والاعتدال هما شريان محورى - حتى لا أقول رئيسيا - يسير فى الجسد الفكرى والثقافى للأمة الإسلامية خاصة، وذلك بالشكل الذى يعكس فعلا عمق وصلابة أسس الدين الإسلامى القائم أساسا على فكر التسامح، وتظهر تجلياته فى العقيدة والعبادة والنظام الاجتماعى، بل وتمتد حتى إلى الجانبين الاقتصادى والسياسى.
كما تزداد أهمية الحديث عن الوسطية والاعتدال اليوم، خصوصا والفكر العربى السياسى والاجتماعى فى مفترق طرق، إذ يبدو مستعدا ليسلك الطريق أو السبيل الذى يجعله متسقا متوافقا مع موجة التطور التى يعيشها كثير من الأقطار الإسلامية، ويسعى للانسجام مع تاريخ الوطن العربى وتطوره الاجتماعى والسياسى، ومن ثم وجبت قراءة آثار التطرف والرجعية والغلو باسم الدين فى المنطقة العربية، مع ما تعايشه باقى أقطار العالم من آثار يصنعها تجار إنتاج وإعادة إنتاج الإرهاب سواء كفكر أو كسلوك منبوذ.
تعد الوسطية والاعتدال ضابطا من ضوابط مفهوم الحرية، وإطارا يضمن للمجتمع عدم الوقوع فى فخ التحرر من كل شيء، كما أن الوسطية والاعتدال إذا اقترنت بصناعة القرار السياسى، تصبح مساهما فى ضمان وتحقيق التناسق بين القبول الشعبى، وتعزيز الولاء والانتماء للدولة الوطن
إن الوسطية معيار أساسى من معايير وعوامل تحقيق الاستقرار السياسى، باعتبارها بيئة ضامنة لمفهوم الأمن من جهة وداعمة لتحقيق التنمية من جهة أخرى، وذلك لأن الوسطية هى فعلا منهج فى فهم الدين ونهج فى العمل السياسى، ومن ثم يمكن القول إن الوسطية فى مجال السياسة هى اجتهاد ومجال قائم على ضمان مقاصد الدين الإسلامى الحنيف، بما يعنى الالتزام مثلا بالأصل فى القرار السياسي؛ وهو المصلحة العامة وما يؤدى إليها ويدعم تحقيقها، لأن الصالح العام هو ما يقودنا نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ويجسد مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بالشكل الذى يدعم الاستقرار.
الوسطية فى الدين تعبر عن هوية، والوسطية بالدين هى سلوك، وحسم هذه العلاقة تجسده خيارات المجتمع، لذلك فإن ثنائية السياسة والوسطية تقوم على مفهوم التوازن، وتتصف بتوجهها الإيجابى فى تفسير الظواهر أو السلوك الاجتماعى أو الاقتصادى أو حتى الثقافى ضمن منظور السببية أو توصيف العلاقة بين مختلف عوامل صناعة الاستقرار والتنمية.
لهذا تعد الوسطية والاعتدال ضابطا من ضوابط مفهوم الحرية، وإطارا يضمن للمجتمع عدم الوقوع فى فخ التحرر من كل شيء، كما أن الوسطية والاعتدال إذا اقترنت بصناعة القرار السياسى، تصبح مساهما فى ضمان وتحقيق التناسق بين القبول الشعبى، وتعزيز الولاء والانتماء للدولة الوطن، وتعد الوسطية أيضا ضامنا من ضمانات تكريس مبدأ قبول الآخر والتعايش السلمى، كما تعد مفهوما يتماشى ومفهوم التعددية السياسية أين يلتقى المفهومان عند حدود مبدأ التوافق.
وحسب متطلبات الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان تعد الوسطية علاجا مجتمعيا، حيث لا يجب أن تظهر أو تحصر فى كونها وسيلة أو حكرا على أشخاص أو مجموعات، لأنها تمثل غاية مجتمعية تنشد الاستقرار والتنمية هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن القيمة الحضارية لمفهوم الوسطية تساعدنا حقيقة فى معرفة مقدار المسافة الفاصلة بين المنهج والواقع الذى تخلقه مفاهيم الديمقراطية اليوم، وبالتالى يمكننا أن ننتقل فى مستوى تفسير الوسطية إلى منظور القيمة الروحية كمدخل علائقى، بمعنى علاقة الأنا مع الوسطية، والآخر مع الوسطية، وعلاقة المجتمع مع الوسطية من أجل ضبط رؤيتنا لمفهومها وأبعادها ضبطا صحيحا وموضوعيا، ومن أجل ذلك فإن استيعاب واحتواء الغلو فى الفكر ومواجهة كل أشكال التطرف أصبحت تحتاج اليوم إلى استراتيجية متكاملة قوامها التربية والتعليم والتكوين، حتى يتم ترسيخ الوسطية كمرجع ينطلق من معايير التربية السياسية للمجتمع، وكثقافة تؤسس لإطار تشاركى وكتعبير عن روح المسؤولية الجماعية فى تحقيق الاستقرار والتنمية.