المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة  | اتصل بنا

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة

الوسطية بقلم الدكتور / مصطفي الشيمى مدير عام المجلس

الجمعة, 13 آب/أغسطس 2021 19:49

بقلم‭ :‬ ‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬الشيمى: مدير‭ ‬عام‭ ‬المجلس‭ ‬الإسلامى‭ ‬العالمى‭ ‬للدعوة‭ ‬والإغاثة

الوسطية‭ ‬معيار‭ ‬أساسى‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬وعوامل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسى،‭ ‬بوصفها‭ ‬بيئة‭ ‬ضامنة‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬وداعمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية

‭ ‬تمثل‭ ‬الوسطية‭ ‬منهجا‭ ‬ومرجعية‭ ‬حضارية‭ ‬ترتبط‭ ‬بخاصية‭ ‬التوازن،‭ ‬لتكوّن‭ ‬بذلك‭ ‬عقيدة‭ ‬ونظاما‭ ‬أخلاقيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬متكاملا،‭ ‬فالوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬هما‭ ‬شريان‭ ‬محورى‭ - ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬رئيسيا‭ - ‬يسير‭ ‬فى‭ ‬الجسد‭ ‬الفكرى‭ ‬والثقافى‭ ‬للأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬خاصة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالشكل‭ ‬الذى‭ ‬يعكس‭ ‬فعلا‭ ‬عمق‭ ‬وصلابة‭ ‬أسس‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامى‭ ‬القائم‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬التسامح،‭ ‬وتظهر‭ ‬تجلياته‭ ‬فى‭ ‬العقيدة‭ ‬والعبادة‭ ‬والنظام‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬بل‭ ‬وتمتد‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬الجانبين‭ ‬الاقتصادى‭ ‬والسياسى‭.‬

كما‭ ‬تزداد‭ ‬أهمية‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬اليوم،‭ ‬خصوصا‭ ‬والفكر‭ ‬العربى‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬فى‭ ‬مفترق‭ ‬طرق،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬مستعدا‭ ‬ليسلك‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬السبيل‭ ‬الذى‭ ‬يجعله‭ ‬متسقا‭ ‬متوافقا‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬التطور‭ ‬التى‭ ‬يعيشها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ويسعى‭ ‬للانسجام‭ ‬مع‭ ‬تاريخ‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬وتطوره‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والسياسى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬وجبت‭ ‬قراءة‭ ‬آثار‭ ‬التطرف‭ ‬والرجعية‭ ‬والغلو‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تعايشه‭ ‬باقى‭ ‬أقطار‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬يصنعها‭ ‬تجار‭ ‬إنتاج‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الإرهاب‭ ‬سواء‭ ‬كفكر‭ ‬أو‭ ‬كسلوك‭ ‬منبوذ‭.
تعد‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬ضابطا‭ ‬من‭ ‬ضوابط‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬وإطارا‭ ‬يضمن‭ ‬للمجتمع‭ ‬عدم‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬إذا‭ ‬اقترنت‭ ‬بصناعة‭ ‬القرار‭ ‬السياسى،‭ ‬تصبح‭ ‬مساهما‭ ‬فى‭ ‬ضمان‭ ‬وتحقيق‭ ‬التناسق‭ ‬بين‭ ‬القبول‭ ‬الشعبى،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للدولة‭ ‬الوطن

إن‭ ‬الوسطية‭ ‬معيار‭ ‬أساسى‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬وعوامل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسى،‭ ‬باعتبارها‭ ‬بيئة‭ ‬ضامنة‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وداعمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الوسطية‭ ‬هى‭ ‬فعلا‭ ‬منهج‭ ‬فى‭ ‬فهم‭ ‬الدين‭ ‬ونهج‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬السياسى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الوسطية‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬السياسة‭ ‬هى‭ ‬اجتهاد‭ ‬ومجال‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬مقاصد‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامى‭ ‬الحنيف،‭ ‬بما‭ ‬يعنى‭ ‬الالتزام‭ ‬مثلا‭ ‬بالأصل‭ ‬فى‭ ‬القرار‭ ‬السياسي؛‭ ‬وهو‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وما‭ ‬يؤدى‭ ‬إليها‭ ‬ويدعم‭ ‬تحقيقها،‭ ‬لأن‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقودنا‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ويجسد‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬بالشكل‭ ‬الذى‭ ‬يدعم‭ ‬الاستقرار‭.‬

الوسطية‭ ‬فى‭ ‬الدين‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هوية،‭ ‬والوسطية‭ ‬بالدين‭ ‬هى‭ ‬سلوك،‭ ‬وحسم‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬تجسده‭ ‬خيارات‭ ‬المجتمع،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬ثنائية‭ ‬السياسة‭ ‬والوسطية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬التوازن،‭ ‬وتتصف‭ ‬بتوجهها‭ ‬الإيجابى‭ ‬فى‭ ‬تفسير‭ ‬الظواهر‭ ‬أو‭ ‬السلوك‭ ‬الاجتماعى‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الثقافى‭ ‬ضمن‭ ‬منظور‭ ‬السببية‭ ‬أو‭ ‬توصيف‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬عوامل‭ ‬صناعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭.‬

لهذا‭ ‬تعد‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬ضابطا‭ ‬من‭ ‬ضوابط‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية،‭ ‬وإطارا‭ ‬يضمن‭ ‬للمجتمع‭ ‬عدم‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬إذا‭ ‬اقترنت‭ ‬بصناعة‭ ‬القرار‭ ‬السياسى،‭ ‬تصبح‭ ‬مساهما‭ ‬فى‭ ‬ضمان‭ ‬وتحقيق‭ ‬التناسق‭ ‬بين‭ ‬القبول‭ ‬الشعبى،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للدولة‭ ‬الوطن،‭ ‬وتعد‭ ‬الوسطية‭ ‬أيضا‭ ‬ضامنا‭ ‬من‭ ‬ضمانات‭ ‬تكريس‭ ‬مبدأ‭ ‬قبول‭ ‬الآخر‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمى،‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬مفهوما‭ ‬يتماشى‭ ‬ومفهوم‭ ‬التعددية‭ ‬السياسية‭ ‬أين‭ ‬يلتقى‭ ‬المفهومان‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬مبدأ‭ ‬التوافق‭.‬

وحسب‭ ‬متطلبات‭ ‬الاستجابة‭ ‬لمتغيرات‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬تعد‭ ‬الوسطية‭ ‬علاجا‭ ‬مجتمعيا،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬أو‭ ‬تحصر‭ ‬فى‭ ‬كونها‭ ‬وسيلة‭ ‬أو‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬مجموعات،‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬غاية‭ ‬مجتمعية‭ ‬تنشد‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬القيمة‭ ‬الحضارية‭ ‬لمفهوم‭ ‬الوسطية‭ ‬تساعدنا‭ ‬حقيقة‭ ‬فى‭ ‬معرفة‭ ‬مقدار‭ ‬المسافة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬المنهج‭ ‬والواقع‭ ‬الذى‭ ‬تخلقه‭ ‬مفاهيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬اليوم،‭ ‬وبالتالى‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬فى‭ ‬مستوى‭ ‬تفسير‭ ‬الوسطية‭ ‬إلى‭ ‬منظور‭ ‬القيمة‭ ‬الروحية‭ ‬كمدخل‭ ‬علائقى،‭ ‬بمعنى‭ ‬علاقة‭ ‬الأنا‭ ‬مع‭ ‬الوسطية،‭ ‬والآخر‭ ‬مع‭ ‬الوسطية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬الوسطية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضبط‭ ‬رؤيتنا‭ ‬لمفهومها‭ ‬وأبعادها‭ ‬ضبطا‭ ‬صحيحا‭ ‬وموضوعيا،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬استيعاب‭ ‬واحتواء‭ ‬الغلو‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬ومواجهة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التطرف‭ ‬أصبحت‭ ‬تحتاج‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬متكاملة‭ ‬قوامها‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والتكوين،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬ترسيخ‭ ‬الوسطية‭ ‬كمرجع‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬التربية‭ ‬السياسية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وكثقافة‭ ‬تؤسس‭ ‬لإطار‭ ‬تشاركى‭ ‬وكتعبير‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬المسؤولية‭ ‬الجماعية‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭.‬